مع تزايد التدخلات الإيرانية في المنطقة د. شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية ورئيس تحرير مجلة شئون إيرانية في حوار خاص

مع تزايد التدخلات الإيرانية في المنطقة د. شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية ورئيس تحرير مجلة شئون إيرانية في حوار خاص

 

– انتخاب ابراهيم رئيسي لرئاسة إيران هو جزء من السيناريو الذي وضعه المرشد علي خامنتي من أجل قيادة إيران نحو مزيد من التشدد داخليا وخارجيا .
– حرب التعطيش التي يشنها النظام الإيراني ضد إقليم الأحواز هو جزء من مخطط إيراني لتفريس الإقليم وعلى الحكومات العربية الإعلان رسميا أن الأحواز دولة محتلة وضم الإقليم إلى الجامعة العربية بصفة مراقب .

شهدت الفترة الماضية تزايد التدخلات الإيرانية في المنطقة سواء أكانت بصورة مباشرة كما يحدث في العراق وسوريا او باستخدام المليشيات التابعة لها كما يحدث في حزب الله في لبنان ومليشيات الحوثيين في اليمن وهو الأمر الذي أصبح يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي ، وترافق هذا التهديد مع تصعيد الإجراءات القمعية في الداخل كما يحدث في إقليم الأحواز ، وفي ظل تلك التطورات التي تنذر بأوخم العواقب أدلى د. شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية ورئيس تحرير مجلة شئون إيرانية بحوار خاص تناول فيه أبعاد المخططات الإيرانية وكيفية مواجهتها وفيما يلي نص هذا الحوار :-

1- كيف ترى تأثير انتخاب رئيس إيراني جديد معروف بتشدده على الأوضاع الداخلية والخارجية الإيرانية ؟
في تقديري أن انتخاب إبراهيم رئيسي، هو جزء من السيناريو الذي وضعه المرشد علي خامنئي، من أجل قيادة إيران إلى مزيد من التشدد والتعنت داخليًا وخارجيًا، خاصة أن طهران تخوض مفاوضات شاقة حول برنامجها النووي في فيينا، ويعلم خامنئي جيدًا أن إدارة بايدن أقل حزمًا معها بخصوص هذا البرنامج، فقد اختار المرشد سياسة التشدد حيال الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تنتهج سياسية “ناعمة” تجاه إيران، لأنه يظن أنه بذلك سيحقق مزيدًا من المكاسب في هذا الملف بالغ الأهمية لنظام الملالي، الذي في مقدوره أن يضحي بكل شيء، بما في ذلك الشعب الإيراني نفسه، لكي يتحقق له حلم امتلاك السلاح النووي.
وأرى أن مجيء “رئيسي” خطوة سياسية لها وجهان، الأول هو الوجه الخارجي العدواني المتشدد، فهو لن يكون، بطبيعة الحال، “صانع قرار” في السياسة الخارجية، بل إن ذلك من مهام المرشد بالدرجة الأولى، وتعاونه أطراف أخرى في النظام، من بينها “المجلس الأعلى للأمن القومي”، ولن يكون بين هذه الأطراف أي خلاف حول الملفات الخارجية، فهم منسجمون سياسيًا، وأصحاب مصلحة مشتركة.
أما الوجه الثاني لانتخاب “رئيسي” فهو الوجه الداخلي، حيث يحرص نظام الملالي في هذا الظرف السياسي بالذات، على إظهار “العصا الغليظة” للشعب الإيراني، ضمن التوجه العام إلى التشدد داخليًا وخارجيًا، خصوصًا بعد تصاعد الغضب الشعبي من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، جراء العقوبات الأمريكية، وبسبب عدوانية النظام ضد جيرانه العرب، فضلًا عن فشل النظام في التصدي لوباء كورونا الذي يعصف بالبلاد.

2- كيف ترى تأثير تصاعد الاحتجاجات الداخلية على سياسة النظام الإيراني وعلى استمراره ؟
النظام الإيراني ماضٍ في مخططاته الداخلية والخارجية، حتى لو كلفه الأمر مزيدًا من القمع على المستوى الداخلي، ونظام الملالي يدرك جيدًا ما يفعله في مواجهة هذه الاحتجاجات، فقد وُلدت “الجمهورية” الإسلامية ذاتها من رحم الاحتجاجات المناهضة لحكومة الشاه عام 1979.
ولدى نظام الملالي جهاز أمن حديدي، يتبع عدة إجراءات لإنهاء الاحتجاجات المتزايدة، ومنها الاعتقال، والتصعيد العنيف ضد المتظاهرين، والتهديد بقمع المظاهرات، والاستعانة بالميليشيات المُسلحة، فضلًا عن توجيه الاتهامات بالعمالة للمتظاهرين، واتهامهم بارتكاب أعمال تخريبية، ناهيك عن الاستهداف الأمني للاحتجاجات بقوة السلاح. الأمر الذي يعني أن تلك الاحتجاجات إن لم تتلق دعمًا خارجيًا كبيرًا، فهي لن تفلح أبدًا في إنهاء وجود النظام، في المدى المنظور على الأقل.

3- ما هي أبعاد حرب التعطيش التي يشنها النظام الإيراني ضد المناطق الأحوازية ؟
“حرب التعطيش” هي جزء من مخطط إيراني كبير لـ “تفريس” إقليم الأحواز المحتل منذ عام 1925. وهذا المخطط ليس بجديد، ولا هو مجهول للرأي العام العربي والدولي.
وتأتي “حرب التعطيش” هذه ضمن مساعي نظام الملالي منذ قيام ثورة 1979 وحتى الساعة، إلى إحداث “تغيير ديموغرافي” واسع النطاق في الأحواز، بهدف محو معالمه الحضارية والجغرافية والثقافية، وجعل العرب من سكان الإقليم البالغ عددهم نحو 12 مليون نسمة أقلية في بلدهم.
والهدف من حرب المياه، هو إرغام القبائل العربية المقيمة في الأحواز على الهجرة إلى مناطق الشمال الإيراني، كما تعمدت سلطات نظام الملالي كذلك إلى تزوير التاريخ، والادعاء بحقها في إقليم الأحواز الذي غيّرت اسمه من “عربستان” إلى “خوزستان”.

4- هل ترى أن الأمر يتطلب من الدول العربية الاعتراف بالأحواز كدولة عربية وفتح مكاتب لها وقبولها كمراقب في الجامعة العربية كوسيلة لمواجهة الأطماع الخارجية للنظام الإيراني؟
أعتقد أن العرب تقاعسوا منذ عقود طويلة عن دعم القضية العربية الأحوازية، وتقديم ما يلزم من المساندة لحركة التحرر الوطني في الإقليم، وذلك لأسباب مختلفة، من بينها استقواء إيران بالقوى الكبرى، وتحالفها مع بريطانيا ثم مع الولايات المتحدة قبل ثورة 1979، ثم ظهور مخططها العدواني التوسعي ضد جيرانها العرب بعد هذه الثورة، وهو ما جعل الموقف العربي الرسمي من قضية الأحواز ضعيفًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا، باستثناء الدعم الذي قدمته مصر خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والدعم الذي قدمه نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للأحوازيين خلال الحرب العراقية – الإيرانية.
وفي تقديري، أن على الحكومات اتخاذ عدة إجراءات حاسمة في هذا الملف، ومنها الإعلان رسميًا عن أن الأحواز “دولةً محتلة”، وضم الإقليم إلى الجامعة العربية بصفة “مراقب” على الأقل. ومن هذا المنطلق سيكون للأحوازيين الحق والدفاع عن أرضهم المحتلة، بكل الوسائل المتاحة لهم قانونيًا، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
ولكن الاعتراف بالأحواز دولة محتلة، ليس مجرد “وسيلة لمواجهة الأطماع الخارجية للنظام الإيراني”، فالدعم العربي حق مشروع للأحوازيين العرب، ولا يمكن اعتباره مجرد هدف سياسي تكتيكي، كما فعل صدام حسين من قبل.

5- هل تتوقع أن تستخدم إيران ميلشياتها في العراق ولبنان (حزب الله) كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا؟
هذا هو الحاصل على أرض الواقع بالفعل حاليًا، خصوصًا أن انتخاب “رئيسي” يتزامن مع تصعيد على عدة جبهات ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك التصعيد على جبهة العراق ضد أمريكا وقوات “التحالف الدولي”، واستخدام الأراضي السورية لاستهداف القوات الأمريكية بطائرات مسيرة، وأيضا التصعيد على جبهة إسرائيل بواسطة “حزب الله”. إن هذا التصعيد هو جزء من التوجه العام للنظام الإيراني إلى التشدد، والتطرف في ردود الأفعال، كما أسلفنا، من أجل تحقيق مكاسب سياسية مرحلية، وأخرى استراتيجية، في نفس الوقت.

6- ما هي أبعاد الدور الإيراني في سوريا ومستقبله في ظل وجود خلافات إيرانية روسية والغارات الإسرائيلية على قواعد الحرس الثوري الإيراني في سوريا؟
أعتقد أن النظام الإيراني ينظر إلى نظام بشار الأسد كحليف استراتيجي فيما يُسمى “محور الممانعة”، وهذا النظام التوسعي لن يتخلى عن وجوده المتعاظم في سوريا، على الرغم من إدراكه جيدًا أن الحفاظ على وجوده العسكري الراهن في سوريا سيكون أمرًا مكلفًا وباهظ الثمن، سواء من ناحية العتاد والأرواح أو البنى الأساسية التي تكلفت مليارات الدولارات، في ظل الغارات الإسرائيلية المستمرة على معسكرات “الحرس الثوري” والميليشيات الشيعية التي كانت تقاتل تحت لوائه في سوريا.
والحقيقة أن هذه الغارات الإسرائيلية، التي من المتوقع أن تتصاعد خلال الفترة المقبلة، أضعفت الوجود العسكري الإيراني في سوريا، لكنها لم تستطع الإجهاز عليه، فقد أجبرت طهران على سحب عدد كبير من خبراء وضباط ومقاتلي “الحرس الثوري”، وإحلال مقاتلين من الشيعة المحليين والأجانب محلهم، مع نفس العتاد والأسلحة، فضلًا عن تزويدهم بطائرات مسيرة خلال الفترة الأخيرة، لاستهداف قواعد “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة.
ولكن، حال التوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة بشأن “الملف النووي”، قد يتم التوافق على دور جديد لإيران في المنطقة، تلتزم فيه طهران بسحب قواتها والميليشيات الشيعية من سوريا، مع الحفاظ على استثماراتها الاقتصادية الكبيرة.

7- هل ترى أن الولايات المتحدة يمكنها استخدام حركة طالبان كوسيلة ضغط على إيران؟ وما هي طبيعة الدور الإيراني في أفغانستان في المرحلة القادمة ؟
أرى أن التهديد الذي قد تشكلّه حركة “طالبان” بالنسبة لإيران ليس تهديدًا وجوديًا، فقد استضاف نظام الملالي عددًا من قادة الحركة في طهران، على اعتبار أن “طالبان” هي بمثابة “عدو عدوها”، أي أمريكا. وكان لهم نشاط ملحوظ تحت سمع وبصر السلطات الإيرانية.
وما تخشاه طهران حاليًا، بعد سيطرة “طالبان” على مناطق واسعة في أفغانستان، هو عودة البلاد إلى الحرب الأهلية من جديد، ما قد يعرّض المجتمعات العرقية الفارسية والشيعية للخطر، خاصة أن “طالبان” هي رمز للتشدد السني في العالم، ما قد يعني وقوع حرب أهلية سنية – شيعية، وقد يؤدي أيضا إلى تدفق اللاجئين، وخلخلة أمن الحدود بين البلدين.
لذلك، عملت إيران سرًا منذ فترة طويلة، على تسليح عشرات الآلاف من أفراد قومية “الهزارة” الشيعية في البلاد، وشكلّت عدة ميليشيات من بينها “فدائي بابا مزاري”، استعدادًا لما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وإثر ظهور مواقف رسمية من الحكومة الشرعية الأفغانية تستنكر فيها تسليح هذه الميليشيات، اعترف وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف علنًا بما تفعله طهران، قائلًا إن “عددهم لا يتجاوز 5 آلاف مقاتل، وأنهم جزء من جهود “مكافحة الإرهاب”!
ويجري أيضًا منذ فترة إعادة أعداد كبيرة من “ميليشيا فاطميون” الأفغانية المدعومة من إيران، والمتمركزة في مدينة “البوكمال” في أقصى شرقي سوريا، إعادتهم إلى بلادهم، للمعاونة في تدريب الشيعة الهزارة، لكي تضمن طهران لنفسها قوة عسكرية منظمة على الأراضي الأفغانية.

8- ما هو السيناريو المحتمل لتصاعد حرب الناقلات بين إسرائيل وإيران وتأثيره على المنطقة؟
“حرب الناقلات” التي تصاعدت بين إيران وإسرائيل خلال الفترة الأخيرة، هي واحدة من الحروب العلنية والسرية التي تدور رحاها بين طهران وتل أبيب، بما في ذلك الغارات الجوية على الوجود الإيراني العسكري في سوريا، والهجمات السيبرانية التي تشنها إسرائيل في العمق الإيراني، فضلًا عن الحرائق المدبرة في المنشآت الصناعية، واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
ولا جدال أن هذه الحرب ستؤثر على الملاحة البحرية في المنطقة برمتها، سواء في الخليج العربي أو البحر المتوسط، وعلى العالم أجمع بالتبعية، ما يستوجب وقوف كل القوى الإقليمية والدولية وقفة موحدة من أجل ضمان أمن الملاحة، خصوصًا في ظل تأثر التجارة الدولية في المنطقة بوباء كورونا، الأمر الذي ينبغي معه توحيد كل الجهود لوقف هذه الحرب التخريبية بين الطرفيّن بشكل فوري.

حاوره/ مصطفى عمارة

إرسال التعليق