درس أفغانستان

درس أفغانستان

 

لم يكن سقوط كابل ومعظم الأراضي الأفغانية في يد حركة طالبان حدثا عابرا في التاريخ بل درس لكل الشعوب المتطلعة إلى حريتها فلقد استطاع الشعب الأفغاني أن يلحق الهزيمة بثلاثة امبراطوريات سيطرت على العالم خلال الحقبة الماضية وعلى رأسها الإمبراطورية البريطانية ثم تلاها الأتحاد السوفيتي والذي أدت هزيمته في أفغانستان إلى تفكيكه ثم كانت النهاية الهزيمة المذلة للولايات المتحدة وانسحابها من أفغانستان تاركة ورائها حكومتها العميلة تجر ورائها اذيال الخيبة والعار ، وعلى الرغم من تواضع إمكانيات الأفغان إذا تم مقارنتها بجيوش أقوى ثلاثة امبراطوريات تحكمت في العالم إلا أن الشعب الأفغاني أثبت أن الشعب المؤمن بالله وبعدالة قضيته والمصمم على تحقيق أهدافه مهما كانت التضحيات قادر على تحقيق النصر على أغنى الإمبراطوريات مهما كانت إمكانياتها ولعل ما حققه الشعب الأفغاني هو درس قاسي لأمتنا العربية فلا يمكن مقارنة إمكانيات تلك الإمبراطوريات بإمكانيات إسرائيل التي لم يتعدى عمرها في المنطقة أربعة وسبعون عاما والتي استطاعت خلال تلك الفترة الوجيزة أن تحتل أراضي ثلاثة دول عربية وتتحكم في مقدرات المنطقة ولم تستطع إسرائيل تحقيق هذا بفضل دعم الدول الكبرى لها ولكن لأنها قامت على عقيدة دينية ولو فاسدة وحددت لنفسها أهداف ووسائل لتحقيقها حتى استطاعت في النهاية إقامة دولتها في الوقت الذي انشغل العرب بصراعاتهم من أجل السلطة والزعامة وفقد العرب هويتهم الإسلامية والعربية ولم يقتصر الأمر على ذلك بل انشغلوا في صراعات داخلية في فلسطين والعراق واليمن وليبيا فكان من الطبيعي أن ينتقل العرب من هزيمة إلى هزيمة لأننا هزمنا من داخلنا قبل أن يهزمنا أعدائنا وإذا كان الشعب الأفغاني قد حقق النصر على ثلاثة امبراطوريات كان آخرها الولايات المتحدة فلا يمكن أيضا أن نغفل أن هناك أهداف أخرى أرادت الولايات المتحدة أن تحققها من خلال ا الإنسحاب لعل أبرزها :-
1- استخدام حركة طالبان لتهديد كلا من روسيا والصين واللذان تراهم الولايات المتحدة أنهما العدو الأكبر الذي يهدد زعامة الولايات المتحدة ويمكن من خلال حركة طالبان أن تشكل تهديدا للدولتين خاصة أن أفغانستان تربطها حدود واسعة مع الجمهوريات الإسلامية في كل من الدولتين .
2- استخدام حركة طالبان لابتزاز حلفائها من دول الخليج حيث ستطلب تلك الدول حماية الولايات المتحدة لها من خطر طالبان مقابل الدعم المادي .
3- تصدير صورة الإسلام المتطرف الذي يتبنى الإرهاب إلى العالم .
4- تقليص الوجود الأمريكي في العالم والذي استنزف اقتصاد الولايات المتحدة .
ولعل الدرس الأهم موجه إلى الحكام العرب المتحالفين مع الولايات المتحدة أن الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها من أجل مصالحها الذاتية وأن رهان الأنظمة العربية يجب أن يكون على شعوبها وهو الدرس الذي أعطاه من قبل الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما جاءه رسول فوجده نائم تحت الشجرة فقال عبارته الشهيرة حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ، فبالعدل وحده يتحقق الأمن والأمان للحاكم والمحكومين وكل أرجاء الوطن العربي والإسلامي .

مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن

إرسال التعليق